معالي د. فارس البريزات، 2019.01.21

الشباب الروّاد يكافحون ويشقون طرقهم نحو البناء والإنجاز معتمدين على ذاتهم، ويسبقون الأجهزة الرسمية المعنية بشؤون رعاية الريادة والابداع. وبدل أن تلحق بهم بعض هذه الأجهرة، تُعيق عملهم عن جهل أكثر مما هو عن قصد. وبالرغم من ذلك، وفي الوقت الذي تعجز كثير من الأجهزة الرسمية عن مواكبة إبداعاتهم التكنولوجية وغيرها التي ستنقل الأردن للمستقبل، يستمرون ويحاولون ويعانون ويُزجرون ويُصدون ويُحبطون وأخيرا يُهاجرون إذا لم تتيسر لهم سبل النجاح الذي يقود للبقاء. وللأسف إن الرغبة بالهجرة لدى هؤلاء تصل لنحو نصفهم. وهذا غير مقبول في بلد تتغنى برأس المال البشري والريادة في قطاع التكنولوجيا. 
خلال الثلاث سنوات الماضية، تعرفت على الكثيرين من رواد الأعمال الشباب من خلال عملي في مجمع الملك حسين للأعمال الذي يُعتبر المركز الأهم الذي يجمع الريادة والابداع في الأردن، وينبغي أن يُستنسخ في المحافظات مع توفير الدعم المعرفي لكي تنهض المحافظات وتلحق بعمان. يوم السبت الماضي زرت إنجاز بدعوة من رائدتها ديما بيبي وتعلمت الكثير من الشابات والشباب الرواد الذين احتضنتهم إنجاز. نحو خمسين منهم، جزء كبير منهم من المحافظات، يعرضون تجاربهم على روّاد سبقوهم في خوض غمار الريادة مثل المثابر مروان جمعة ليتعلموا من خبرة وتجربة روّاد الريادة الأوائل.
تبين من خلال النقاش أن أكبر مشكلة تُعيق تقدم هؤلاء هي الحصول على التمويل الريادي وثانيها التشريعات غير الناجزة وعدم استقرارها. لعل إنشاء صندوق الريادة الأردني بما يقارب 100 مليون دولار بشراكة بين البنك الدولي والبنك المركزي سيفتح آفاقا جديدة أمام قطاع ريادة الأعمال مما سيساعد على نموها خصوصاً في المراحل الأولى من نضوج الفكرة وبداية تطبيقها ومن ثم تطويرها من المغامرة المحسوبة إلى الإدامة والتوسع. 
الصناديق الاستثمارية الراعية للريادة مثل ومضة، وسيليكون بادية، واويسس500، وانديفر جوردان، والدوائر السبعة وغيرها ساهمت وتساهم في رفد الريادة وفتحت آفاقا جديدة في سوق تقليدي، ولكن حجم التحديات الموجودة أمامنا، والفرص المتاحة بين الشباب والشابات كبير، ولتحقيق جزء من الفرص وتحويل التحديات إلى فرص ممكنة وواقعية يجب أن تتوسع مظلة الدعم المالي والفني والارشادي بشكل أكبر بكثير من المتاح الآن وليس فقط في قطاع التكنولوجيا على أهميته في رفد القطاعات الأخرى وخصوصاً القطاع السياحي الذي يشكل عصبا رئيسا للنمو الاقتصادي.
إذا ما تمكن صندوق الريادة الأردني وهو أكبر صندوق استثماري من نوعه في المملكة، من تحقيق أهدافه، أو على الأقل جزء منها، مثل زيادة التمويل المباشر للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مراحلها المبكرة خصوصا الواعدة منها، فإن البيئة المحفزة لرواد الأعمال الأردنيين المبدعين ستتطور متجاوزة المحددات التي كانت سائدة وستخلق تنافسا يحفز نمو قطاع الريادة. ويبدو جليا أن مؤتمر لندن المرتقب في شهر شباط القادم سيقدم شيئا مختلفا من ناحية الفرص الاستثمارية المتاحة في الأردن خصوصا في البنية التحتية ومشاريعها الكبرى وفي قطاع التكنولوجيا. 
وتبقى الآمال معقودة على إنجاز ومثيلاتها من المؤسسات وصناديق الريادة والاستثمار لبناء شراكات استراتيجية تمكن الشباب من الانتقال بأعمالهم إلى المستقبل بشكل أسرع وبعوائق أقل وتمويل أكبر ورعاية اوسع. انهم يستحقون أفضل وأكثر كي يبقوا هنا ويبنوا بيوتهم وأسرهم هنا، لأن مكانهم هنا، وانتاجهم يبقى هنا، أفضل وأنفع للأردن من الاغتراب “لزيادة تحويلات المغتربين”. 

الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة. 

تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.01.21. الرجاء النقر هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.