معالي د. فارس البريزات، 2019.04.15
تواجه السياسة الخارجية الأردنية بكل اتجاهاتها تحديات متجددة على وقع تسريبات صفقة القرن المزمع الإعلان عنها خلال الأشهر القليلة القادمة، ربما حزيران، من قبل الإدارة الأميركية. التحركات الوقائية التي بادر بها الأردن تنم عن توجس وارتياب غير مسبوق مما قد يُلقى عليه ويُطلب منه التعامل مع النتائج بغض النظر عن الضرر المتوقع على مصالحه الاستراتيجية سواء الأمنية أم السياسية أم الاقتصادية. لا يُمكن للأردن القبول بالأمر الواقع لأنه سيواجه مشاكل عصية على الحل في ظل ثوابته الراهنة فيما يتعلق بتصوره للحل العادل للقضية الفلسطينية.
الإدراك المتزايد بين المشتغلين والمهتمين بالسياسة الخارجية أن حل الدولتين قد قُتل مرارا مع كل مستوطنة تُبنى، ومع كل قرار ضم يقع على الأراضي العربية من قبل إسرائيل، يُفسر جزئياً المبادرات الأردنية تجاه العراق ومصر وتوسيع الحلقة لتشمل اليونان وقبرص لخلق مجال حيوي تتحرك حوله وضمنه خيارات السياسة الخارجية في الأشهر القليلة القادمة وما بعدها. الموقف الأردني يقرن الحل العادل للصراع العربي الاسرائيلي بالعدالة أولاً من خلال حل القضايا السياسية المركزية في حق تقرير المصير الفلسطيني واللجوء والحدود والقدس والسيادة لأن ذلك يرتبط بالمصالح الحيوية للأردن التي تؤثر بمسار الدولة.
المتوقع من إدارة ترامب هو خطة تنمية اقتصادية تتجاهل القضايا السياسية الاساسية. وفي جولته الأخيرة للمنطقة لعرض أفكاره على بعض قادة المنطقة تحدث كوشنر عن مشاريع تنمية اقتصادية ولم يصدر عن هذه اللقاءات ما يدل على طرح سياسي يُعالج القضايا العالقة ولم تذكر وسائل الإعلام السعودية او الاماراتية اشارات لحلول سياسية تمت مناقشتها.
خيارات الأردن الطبيعية هي تكثيف الجهود لبناء علاقات متوازنة مع دول الهلال الخصيب وتطوير العلاقات مع دول الخليج العربي لتنويع خيارات العمق الاستراتيجي. ينبغي ألا يكون لدى السياسة الخارجية الأردنية موقف ايديولوجي في العلاقات مع دول الجوار العربي، مع او ضد. الموقف منها ينبغي أن يكون مبنيا على المصالح بأبعادها القومية العقلانية. الانحياز لطرف ما أو ضد طرف ما بالمطلق، لا يخدم مصالحنا ولا يُساعدنا على اختلاق الفرص لتحسين شروطنا في التفاوض على مصالحنا.
ترك الأردن في الظلام تجاه تدابير صفقة القرن لا يُمكن إلا أن يُساهم بإفشالها لأن “المفاوضات” تقوم على أسس توازن المصالح والقوة. مصالح الأردن والفلسطينيين وهم أصحاب الشرعية بالموافقة وعدمها تتطلب من جميع الدول العربية المؤثرة أن تكون واعية لحجم الخطر القادم والمحدق بنا جميعاً، ما الذي يمنع أن يحدث لدول عربية أخرى ومؤثرة ما حدث للعراق وسورية؟ لا يوجد ضمانة من أحد. لذلك، ينبغي أن يتم الاتفاق بين العرب على المصالح الاستراتيجية ومصادر التهديد والالتزام في الحدود الدنيا مثل مبادرة السلام العربية.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.04.15. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.