معالي د. فارس البريزات، 2019.03.04

الرسالة الأوضح التي بعثها العالم في مؤتمر لندن هي الاستثمار بمستقبل الأردن. لذلك ينبغي أن تصل رسائل مبادرة مؤتمر لندن، الأردن: نمو وفرص، إلى جميع الأردنيين في مدنهم وقراهم، ويجب ألا تبقى حبيسة دوائر “النخبة المعولمة”. لأن الرواية والرؤية التي قدمها جلالة الملك في مؤتمر لندن كخطوة أولى في عملية النمو الاقتصادي تبعث على الأمل. 
الأمل بإمكانية تحقيق نمو اقتصادي يؤثر بشكل إيجابي ومباشر على المواطنين الذين لم ينعكس عليهم النمو الاقتصادي السابق إيجابياً بل تأثر الكثير منهم سلبياً نتيجة ارتفاع الاسعار وثبات الدخول، أو عدم زيادتها بما يتناسب وحجم ارتفاع الاسعار والتضخم المرافق له. يحتاج الأردنيون أكثر من أمل وأكثر من إلهام لكي يخرجوا من حالة الإحباط العام التي يعانون منها وتزداد يومياً نظراً لضعف الحصافة السياسية لدى بعض السياسيين.
الرواية الملكية تبعث على الأمل لأنها مبنية على تفكير سليم بضرورة “تحضير دراسات المشاريع” قانونيا وماليا من قبل الحكومة لكي يتم عرضها على المستثمرين بقدر كاف من الإعداد لتساعدهم على اتخاذ القرار بالاستثمار من عدمه. هذه خطوة مهمة إلى الأمام ويمكن البناء عليها لتقديم مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية للمستثمرين المحتملين وتنفيذها دون العقبات المعتادة وغير الضرورية. إن المستثمرين الذين يبحثون عن أثر إجتماعي إيجابي لإستثماراتهم “مستثمرو التأثير الاجتماعي” أو “الصناديق الخاصة” أو المنظمات الدولية، يريدون الاستقرار التشريعي والشفافية والموثوقية واستمرارية السياسات.
لم تدخر الحكومة البريطانية وسفيرها في عمان، إدوارد أوكدين، جهدا لإنجاح مبادرة مؤتمر لندن. إذ تمكنوا من ضمان وجود الشركاء الحيويين الذين أظهروا بالأقوال والأفعال قدراً كبيراً من الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي للأردن. بدأت ممثلة البنك الدولي كلمتها بالقول “إن الأردن جاهز للأعمال”، وهي عبارة رددها العديد من المشاركين المؤثرين. وكانت الأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وبنك التنمية الإسلامي، والعديد من الصناديق الاستثمارية الخاصة هناك ، وقد أبدوا رغبة في الاستثمار في “مستقبل” الأردن.
طمأنة المستثمرين المحتملين تأتي من مصدرين. الأول هو التزام شركاء دوليين وإقليميين اقوياء للأردن بدعمه مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا واليابان والمملكة العربية السعودية ومصر والكويت وتركيا وغيرها الكثير. والثاني هو طاقة الأردنيين بما في ذلك الرؤية التي قدمها جلالته والشباب المتحفزون الذين أبهروا الحضور في القاعة بإنجازاتهم وإمكاناتهم غير المتحققة.
الرواية الأردنية تذهب لما بعد النمو والتحول الاقتصادي، لتقود التصدي للتطرف والإرهاب. إذ أثبت الأردن أنه من أكثر شركاء العالم كفاءة وفعالية في تطوير رؤى وسياسات بديلة وذات مصداقية تدفع الجهود الدولية للوقاية من التطرف الإرهاب، كما يبدو جلياً من خلال “مبادرة العقبة” المبتكرة التي أسسها وقادها جلالة الملك ويتابعها باستمرار وفي كل مكان. ومن أفضل الطرق للوقاية من التطرف والأرهاب تأمين الناس المحبطين والمعرضين للتطرف والإرهاب بفرصة تمنحهم الحياة الكريمة وتقيهم شرور الانحراف والتطرف والارهاب.
ولا تتوقف الرواية هنا، بل تستمر بقطاع التعليم الذي يحتاج لجهود إضافية كبيرة من شركاء الأردن لمتابعة ما تحقق وتطويره أكثر خصوصاً في التدريب المهني والاحترافي للمعلمين والمعلمات، الذي بادرت به جلالة الملكة، واتضح أن له قيمة إيجابية كبيرة على أداء المعلمين. والآن يجب إدخال التعليم التمهيدي لجميع مدارس الحكومة مقرناً بتعلم اللغة الصينية والانجليزية وتكنولوجيا المعلومات. ولدينا فرصة لتوسيع هذه البرامج والبدء بأخرى جديدة للمساعدة في تحقيق تحول اقتصادي ونمو على المدى الطويل، وحفظ الأمن، والوقاية من الانحراف والتطرف والإرهاب المبني على الغضب الناجم عن الإحباط. 

الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة. 

تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.03.04. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.