معالي د. فارس البريزات، 2019.05.13
الأردنيون هم من بين أكثر الشعوب العربية قولا بأنهم راضون عن مستوى الأمن في الأحياء التي يسكنون بها حسب جميع الاستطلاعات الاقليمية الموثوقة التي تم تنفيذها في المنطقة خلال العقدين المنصرمين. ويأتي تقييم الأردنيين لمستوى أمنهم بفارق متقدم عن المجتمعات العربية الأخرى، باستثناء السعودية التي تقدمت على جميع الدول العربية المشمولة في الدراسة وهي الأردن والعراق والكويت والسودان وموريتانيا وتونس ومصر والمغرب ولبنان وفلسطين في العام 2017/2018 حسب تقرير المؤشر العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة.
وعلى الرغم من توسع التغطية الإعلامية للجرائم إلا أن الرقم المُطلق للجرائم المرتكبة بالأردن انخفض من نحو 28221 العام 2012 إلى 22550 العام 2017 حسب بيانات مديرية الأمن العام المنشورة في تقريرها العام 2018. لم يتغير تقييم الأردنيين لمدى إحساسهم بالأمان منذ العام 2000 وحتى العام 2018 بشكل جوهري. ويعكس هذا مستوى ثقة الأردنيين بمؤسساتهم الأمنية والعسكرية التي لم تتغير طيلة هذه الفترة كذلك. وبقيت معدلات الأحساس بالأمان تتراوح بين 80 إلى 90 بالمائة (راضون جدا وراضون عن مستوى الأمان في مناطق سكناهم وعن مستوى الأمان على مستوى البلد بشكل عام). وتتوازى هذه النسب مع نسب ثقة الأردنيين بالجيش والمخابرات والأمن العام والدرك التي لم تتغير بشكل جوهري منذ العام 2000 وحتى 2018 حسب عديد من الدراسات الاستطلاعية المقارنة مثل المسح العالمي للقيم ومقياس الرأي العام العربي مؤشر الرأي العام العربي واستطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ومركز نماء لاستطلاع الرأي.
مستوى الاحساس بالأمان والثقة بالمؤسسات العسكرية والأمنية متشابهة في المحافظات والأقاليم كافة. وتظهر المحافظات الطرفية مستوى ثقة أعلى قليلاً بالمؤسسات من مراكز المدن مثل عمان والزرقاء. ولهذا أسبابه. واهمها أن المنخرطين بهذه المؤسسات هم من هذه المحافظات الطرفية بشكل أكبر. هذه الثقة تقابلها مستويات ثقة أقل بالجهاز المدني للدولة وفي القطاع الخاص خصوصا الجامعات الخاصة والبنوك ولهذا أسبابه كذلك وسنأتي عليها في قادم الأيام.
التهميش الاقتصادي الواقع على المحافظات الطرفية لم يُغير من تمسكها بالمؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن يبدو أثره جلياً في موقفها غير الراضي عن أداء الحكومة وبشكل أكبر من المحافظات الكبيرة مثل عمان والزرقاء. الحكومة هي المعنية بالسياسات الاقتصادية العامة والتي يرى “الطرفيون” أنها لم تساهم جدياً في تحسين الحال الاقتصادي للناس، وترى أغلبيتهم أن لها أثرا سلبيا على حياتهم حسب دراسة “نماء” لتقييم أداء الحكومة وسياساتها العامة. التطرف السياسي بين بعض الطرفيون متجذر بإحساسهم العميق بانتشار الفساد والذي يعزون له بؤس حالهم الاقتصادي. فهم ليسو إلا من الأغلبية الكبيرة التي تثق بالمؤسسات العسكرية والأمنية، ولكنهم يريدون رؤية “عدالة تنموية” وفسادا أقل وحكومة مستجيبة فعلا لا قولا تضع أموال دافعي الضرائب في مكانها على خطى عدالة التنمية.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.05.13. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.