معالي د. فارس البريزات، 2021.09.14
الاستقطاب النخبوي الذي أثاره تخصيص جزء من محمية ضانا البيئية لغايات التعدين بين معارضٍ ومؤيد ليس مُفاجئاً أو وليد اللحظة، فله جذور اقتصادية واجتماعية عميقة داخل المجتمع الأردني ترتبط بأولويات آنية وأخرى طويلة الأمد. تشير بيانات المسح العالمي للقيم خلال العشرين عاما الأخيرة (2000-2020) في الأردن إلى أن
47 % من الأردنيين البالغين (18+) يعطون الأولوية للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، بينما 46 % يعطون الأولوية للحفاظ على البيئة. وبالمقارنة مع الولايات المتحدة فإن
48 % يولون البيئة و44 % يولون الاقتصاد. والبلد الأكثر انحيازاً للبيئة هو السويد إذ ارتفعت نسبة من يولون البيئة من
59 % في 1990 إلى 85 % العام 2018.
الاستقطاب الراهن في الأردن يدفع باتجاه تبني أحد خيارين على مستوى السياسات العامة. فإما أن يتجه إلى تغليب الخيار الأول على الثاني أو العكس كما يفترض النقاش الدائر المبني على فرضية أن التعدين يُجهز على البيئة أو أن الحفاظ على البيئة يجب أن يمنع النشاط التعديني الاقتصادي. الأنسب للأردن هو أن تتجه السياسة العامة إلى حلول عملية وعلمية توافقية تفي بالغرضين في آن معاً، ومن غير الصعب تحقيق هذا التوازن في عالم اليوم الذي يزخر بمثل هذه الحلول كما في استراليا وكندا.
منظمات الحفاظ على البيئة تتبنى موقفا ممانعا تماماً للتعدين في محمية ضانا بينما تسعى الحكومة لفتح مجال الاستثمار التعديني لخلق نشاط اقتصادي يعود على المجتمع والخزينة بإيرادات هي بأمس الحاجة إليها للإنفاق على برامجها في النفقات الجارية والرأسمالية وزيادة الحيز المالي للدولة. فمع ارتفاع نسبة البطالة إلى 25 % ووتركزها بين الشباب تجد الحكومة نفسها مضطرة لعمل ما امتنعت عنه لعقود طويلة في مجال التعدين. ولكن ضعف ثقة الرأي العام بالحكومة وبإجراءاتها والتشكيك بها، يُضاعف حجم المهمة المُلقاة على عاتقها خصوصاً مع وجود أفكار بديلة لرفد النمو الاقتصادي من خلال التعدين في مناطق أخرى وبناء مجمعات صناعية لرفع القيمة المُضافة للمواد الأولية الناتجة عن عمليات التعدين (البوتاس والفوسفات والمعادن النادرة) وقبل هذا وذاك تذليل العقبات أمام المستثمرين الأردنيين المحليين وغيرهم خصوصاً تخصيص الأراضي وأسعار الطاقة وتقليص الاجراءات البيروقراطية غير الضرورية وأتمتة التعامل بين المستثمرين والمؤسسات.
وبالتوازي مع تراجع ثقة الرأي العام بالحكومات وقدرتها على إحداث تغيير يخفف من وطأة البطالة والفقر، فقد تراجعت الثقة بالمؤسسات التي تقود معارضة تخصيص الأرض للتعدين بنسبة جوهرية بين عامي 2000 و 2018. إذ انخفضت نسبة مجموع الذين يثقون بمؤسسات حماية البيئة «إلى حد كبيىر وإلى حد ما» من 58 % العام 2000 إلى 56 % العام 2007، وإلى 37 % العام 2014، وإلى 34 % 2018. وارتفعت نسبة الذين لا يثقون بهذه المؤسسات بشكل مواز تقريباً لتكون 39 % العام 2018.
الفريقان بين المطرقة والسندان. كلاهما يواجه مشكلة ثقة مع الرأي العام والطريقة الأنسب لهما هي التوافق للتقليل من الاضرار البيئية التي قد تنتج عن عملية التعدين التي ستساهم في حل بعض المشاكل الاقتصادية على المستويين المحلي والوطني. تعودنا في الأردن على حل القضايا الاشكالية بالحوار والعقلانية والرشد وهذا ما نأمل الوصول إليه بلا شطط وإقصاء كي «لا يموت الذيب ولا تنفى الغنم».
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2021.09.14. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.