معالي د. فارس البريزات، 2019.03.11

لا يكفي أن نعتمد على عمق العلاقات الراهنة مع الولايات المحتدة ونركن إلى فرضية أنها غير قابلة للتغيير او التغير. سبق وأن تبدلت المواقف والتحالفات وأدت لاختفاء أنظمة سياسية وتراجع المساعدات وتغيير حدود. لذلك لا بد من مواصلة التعامل المباشر مع مراكز القوة في واشنطن لكي نضمن اكبر قدر ممكن من المصالح الأردنية بغض النظر عمن يكون بالسلطة ديمقراطيين أو جمهوريين.
العبء المُلقى على عاتق جلالة الملك في التواصل مع الكونغرس في هذه الزيارة كبير ولا يقتصر فقط على اللقاءات مع رؤساء اللجان المؤثرة في صنع القرار مثل لجنة المخصصات، والعلاقات الخارجية، والجيش والأمن والمخابرات وغيرها. وإنما يمتد إلى الأعضاء الجدد الذين تم انتخابهم في الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني 2018 وأنتجت 93 عضو مجلس نواب جديد و 9 شيوخ جدد. لا يمكن أن يُترك هؤلاء دون تواصل لشرح وجهة النظر الأردنية لهم وبناء جسور تواصل تدوم في المستقبل لأن هؤلاء سيصبحون أعضاء لجان مهمة وبعد عدة سنوات سيُعاد انتخاب عدد كبير منهم.
وبما أنه لا يوجد لدى الأردن موارد مثل بقية دول المنطقة تمكنها من استئجار شركات علاقات عامة كما تفعل دول أخرى من المنطقة. وفي ظل عدم وجود مصالح تجارية كبرى لشركات اميركية في الأردن مثل قطاعات النفط والغاز والسلاح، يبحث الأردن عن وسائل الدبلوماسية الناعمة التي لا تكلف الخزينة موارد مالية كبيرة وتؤدي لبناء شبكة علاقات تدافع عن مصالح الأردن وتدفعها للأمام.
لذلك يجب أن تستمر الجهود التي يبذلها جلالة الملك، الذي يحظى باحترام كبير في أوساط الكونغرس ودوائر صنع السياسات والقرار في واشنطن، لفتح مزيد من الأبواب للدبلوماسية الأردنية وللقطاع الخاص لتأسيس مزيد من العلاقات التي تخلق مصالح متبادلة تعزز من الاعتمادية المتبادلة بين الطرفين. برزت الولايات المتحدة خلال العقد المنصرم كحليف ملتزم بأمن الأردن واستقراره من خلال الدعم الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري والأمني الذي تضاعف عدة مرات مقارنة بالعام عندما تولى جلالة الملك مقاليد الحكم.
ولا يحمل جلالة الملك فقط ملفات أردنية اقتصادية داخلية ضاغطة وتحتاج لمزيد من الدعم خصوصاً في ظل استحقاق جزء من الدين العام الخارجي وضعف النمو الاقتصادي والعقوبات الأميركية على بعض دول الجوار التي يعول الأردن على فتح حدودها وأسواقها وطرقها للوصول لأسواق أخرى للمنتجات الأردنية. وإنما يحمل مصالح الأردن في القضية الفلسطينية مع توقع الإعلان عن صفقة القرن بعد الانتخابات الاسرائيلية والتي تفيد التسريبات أنها ستكون قاسية بحق الفلسطينيين والأردن والعرب عموماً. لذلك لا بد من الانخراط مع الدوائر المؤثرة في واشنطن للحد من تأثيرها السلبي وتبرير عدم قبولها لاحقاً بأنها لم تأخذ مصالح الأردن بعين الاعتبار بشكل عادل.
الأردن يعمل في بيئة صعبة وغير مستقرة ويحاول جاهدا موازنة العوامل الداخلية والخارجية التي يتداخل فيها التنافس الاقليمي مع الدولي وينتقل كل هذا الى ساحة صراع المصالح والحظوة في واشنطن وموسكو وبكين وبرلين ولندن وباريس وبروكسل على المستوى الدولي، والقاهرة والرياض وأنقرة وطهران وتل أبيب على الصعيد الاقليمي. ما يخدم الأردن في ظل هذه الظروف هو التزامه بما يتعهد به في إطار مكافحة الارهاب والتطرف ليس فقط داخليا واقليميا وإنما على الصعيد الدولي كذك من خلال عملية العقبة التي يقودها وكان رائدها جلالة الملك ولها أثر واضح في تأطير مكافحة الارهاب.

الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة. 

تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.03.11. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.