معالي د. فارس البريزات، 2019.03.25

إحدى القضايا المقلقة اليوم هي تراجع رأس المال الاجتماعي في الأردن خلال هذا العقد بنحو النصف. ويُقاس رأس المال الاجتماعي بعدة مؤشرات أهمها مدى الثقة القائمة بين المواطنين بعضهم ببعض وبين المواطنين والمؤسسات العامة. إذ انخفضت نسبة من يقولون من الأردنيين أنه “يمكن الثقة بأغلب الناس” من 31 % في العام 2007 إلى 16 % في نهاية العام 2018. وبالمقابل ارتفعت نسبة الذين يقولون بأن أغلب الناس لا يمكن الثقة بهم من 69 % إلى 84 % في ذات الفترة حسب بيانات المسح العالمي للقيم World Vales Survey الذي نفذت آخر موجة منه نماء للاستشارات الاستراتيجية في كل من الأردن ولبنان ومصر والعراق. ويرتبط هذا التراجع بمؤشرات أخرى مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر وارتفاع كلف المعيشة الذي يؤدي لضعف الثقة بالمؤسسات العامة القائمة على رعاية الاقتصاد الوطني.
التداعيات التي قد تنجم عن تراجع الثقة بين الناس ببعضهم من جهة، وبينهم وبين المؤسسات تشمل تراجع التسامح المجتمعي وازدياد عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي المرتبط بعدم الرضا عن الأوضاع العامة مثل الاعتقاد السائد بين ثلثي الأردنيين بأن البلد “يسير بالاتجاه” الخاطئ. كما أن ضعف رأس المال الاجتماعي لا يقود لبناء نمو اقتصادي لأن النمو الاقتصادي يتحقق بشكل أفضل في علاقة تبادلية مع نمو رأس المال الاجتماعي.
ينمو رأس المال الاجتماعي من خلال العمل الجماعي الطوعي. ولدينا في الأردن فرصة لتحويل العمل التعاوني الذي تقوم به الآن نحو 1600 جمعية تعاونية، ينشط منها 1200 وبحجم عضوية 145000 عضو، إلى مجال نشاط متكامل لإعادة بناء منظومة العمل التعاوني الاقتصادي في مجالات الزراعة والصناعة الخفيفة والسياحة. لا يحظى العمل التعاوني بالرعاية الحكومية الكافية، ويحتاج لعمل جاد ومتميز لنقله مما هو عليه لخلية إنتاج اقتصادي وأمان واستقرار إجتماعي.
ولا يقتصر بناء رأس المال الاجتماعي على العمل التعاوني وإنما يشمل الأندية الثقافية والرياضية والجمعيات الخيرية، ولكن على الرغم من وجود نحو 700 هيئة ثقافية ومئات الأندية الأخرى، إلا أن تراجع رأس المال الاجتماعي يؤشر إلى خلل بنيوي وعملياتي، إضافة للعامل الاقتصادي، في هذه القطاعات.

الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة. 

تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.03.25. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.