معالي د. فارس بريزات, 2018.09.18
ليس من المستغرب أن تواجه الحكومة ردة فعل شعبية سلبية على قانون الضريبة المقترح، ولهذا أسبابه العميقة في علاقة الدولة بالمواطن على مرّ عقود من الزمن وليس مرتبطاً بحكومة بعينها بالضرورة.
من المؤشرات العديدة على اختلال علاقة المواطن بالدولة هي القدرة على التكيف الاقتصادي، فعندما تكون نسبة العائلات الأردنية التي تقول إن دخلها لا يكفي نفقات احتياجاتها وتواجه صعوبات نحو 60 %، ونسبة العائلات التي يغطي دخلها نفقات احتياجاتها دون أن توفر منه نحو 35 %، وتستطيع فقط 5 % أو أقل أن توفر، فإن السياسات العامة التي أوصلتنا إلى هذا الحد تكون قد أخفقت في الاستجابة لأولويات الأردنيين الاقتصادية. ويعني هذا الإخفاق أن تغيير النهج الذي تحدث عنه جلالة الملك ودولة الدكتور الرزاز ليس ترفاً ولا حملة علاقات عامة جديدة تضاف لسابقاتها وإنما ضرورة للبقاء الوطني وغير قابلة للتأجيل والتسويف والمماطلة ومزيد من الإنكار وعدم الاكتراث.
قاد الاخفاق التراكمي إلى نمو إحساس بعدم العدالة وعدم المساواة، ما ضاعف مستويات الانفكاك عن الدولة وعمّق الفجوة بين المواطن والمؤسسات المدنية المعنية بتسيير خدماته الأساسية، فيما حافظت المؤسسات العسكرية والأمنية على وتيرة ومستوى رضا مرتفع جداً عن الخدمات التي تقدمها.
جرس الإنذار يقرع عندما يقول نحو ربع الأردنيين في شهر حزيران (يونيو) 2018 إنه “لا توجد عدالة على الإطلاق في الأردن” مقارنة بنحو 8 % في العام 1999، وتنخفض نسبة من يعتقدون بأن العدالة “موجودة إلى درجة كبيرة في الأردن” من نحو 30 % إلى 10 % خلال الفترة ذاتها، فإن تغيير النهج يصبح استجابة واجبة التنفيذ وجرس الإنذار واجب السماع.
لكل فرد تصوره ومعناه للعدالة فليس للجميع ذات التعريف، ولكن حاصل مجموع هذه التصورات والتعريفات يؤكد أن فكرة العدالة تقضّ مضاجع مواطنين كثر. وبذات الاتجاه تسير التصورات نحو المساواة، إذ ارتفعت نسبة من يعتقدون أن “المساواة غير موجودة” في الأردن من 13 % إلى 30 % خلال الفترة ذاتها، وتنخفض نسبة من يعتقدون أن المساواة موجودة إلى درجة كبيرة من 20 % إلى
7 %. وكان ختم التأكيد على إخفاق السياسات الاقتصادية العامة هو معدل البطالة المعلن من قبل الحكومة نحو 18 %.
أمام هذه المؤشرات ليس من المقبول أن ينكر أحد حجم المشكلة، وأن تستمر السياسات والأدوات ذاتها بممارسة ذات الغطرسة والتعالي على الأردنيين الذين يستحقون كل الاحترام والتقدير لصبرهم وتحملهم.
لذلك نحن بحاجة لمشروع إحياء اقتصادي وطني يرتكز على خلق حلول استراتيجية طويلة الأمد وأخرى فورية تنعكس ايجابياً على حياة المواطن اليومية، مثل خفض الفوائد البنكية على التسهيلات والودائع بهدف تشجيع الاستثمار بدلاً من الادخار وبالتالي زيادة السيولة (عرض النقد) لإنعاش حركة السوق.
أما الحلول طويلة الأمد فهي الاستثمار بالبنية التحتية. وعلينا تقديم حوافز استثنائية للمستثمرين في قطاعات بناء سكك الحديد الوطنية التي تربط جميع المحافظات، وتربط الأردن بسورية والعراق والسعودية ومصر. وفي قطاع بناء المدن السكنية الجديدة على محطات هذه السكك في الماضونة والقطرانة، وفي بناء المدن الاستثمارية مثل المدينة الطبية والترفيهية بالقرب من المطار، ومدن الدعم اللوجستي للنقل والتصدير في مدينة المفرق التنموية، والموقر، وسحاب، والقسطل، وبناء مدن مؤهلة صناعية متخصصة في الحسا للصناعات الكيماوية المعتمدة على الفوسفات، وفي المحمدية لنقل الحيوانات.
ولدينا فرصة لتغطية العجز الكهربائي في العراق وسورية ولبنان من خلال مشروع عملاق لانتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية في المناطق الشرقية لغايات التصدير وللسوق المحلية لتشغيل الأردنيين وتخفيض كلف الحياة على الناس وكلفة الانتاج الصناعي والخدمات التجارية.
في ظل هذه الظروف لا يمكن فهم لماذا لم يتم تطوير المغطس حتى الآن ليستقبل مليون حاج مسيحي بالعام الذي سيتطلب بناء نحو 3000 غرفة فندقية، وتشغيل خطوط الطيران والنقل السياحي والمنتجات المحلية ناهيك عن فرص العمل الجديدة التي سيتم خلقها. تخصيص الأراضي لمستثمرين كبار راغبين وقادرين لإنشاء هذه المشاريع قد يُحفز البعض للاهتمام خصوصاً في ظل ضعف الأردن كوجهة استثمارية لرأس المال الاستراتيجي من الصين والصناديق السيادية العالمية وصناديق التقاعد التي تبحث عن عائد استثمار طويل الأمد.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2018.09.18. الرجاء النقر هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.