معالي د. فارس البريزات، 2018.09.27
لم تدخر الحكومة جهداً في شرح مشروعها الضريبي للناس، وقام دولة الرئيس المقتدر والكفؤ بإطلاق حملة إعلامية استهلها بمحاضرة في الجامعة الأردنية لطرح فلسفة الحكومة حول موضوع الضريبة. وقال عبارة مفصلية “إن الهدف من الضريبة هو الأخذ من الغني وإعطاء الفقير”. وتبرز هذه العبارة انحياز دولة الرئيس لفلسفة التكافل الاجتماعي والتمكين المجتمعي من خلال إعادة توزيع العبء الضريبي وأدوات أخرى مثل الوقفيات. وعلى الرغم من وجاهة الطرح، إلا أن تحضير الرأي العام للتغيير يحتاج إلى وقت وجهد متميز. إذ إن الافتراض بأن الناس سيؤيدون التغيير في المنظومة الضريبية لأنه سيعيد توزيع العبء الضريبي ليس بالضرورة دقيقاً. إذ بلغت نسبة الأردنيين الذين يوافقون الرئيس بهدف الضريبة (من الغني للفقير) 56 % فقط. فيما يعارضه 40 %، و4 % لا رأي لهم في الموضوع، حسب الاستطلاع الذي نفذه مركز نماء ونشرت بعض من نتائجه أمس. بالطبع مواقف الناس هذه، وليس موقف الناس هذا، ليست مرتبطة بالضرورة بما قاله دولة الرئيس، لأن موضوع الضريبة إشكالي ولا يوجد عليه إجماع وإن وجد اتفاق تسوية مؤقت. ويعني هذا أن ما يُعتقد أنه مقبول لدى غالبية كبرى يُصبح موضع جدل وبحاجة لجدل علمي وعقلاني وعملي.
ولكي يتم إنجاز هذا العمل من أجل مستقبل الأردن والأردنيين، ينبغي أن نتوقف جميعاً عند طريقة الاحتجاج التي قُبل بها الوزراء من جهة وعند مدى وصول رسائل الحكومة وتأثيرها على آراء وقناعات الناس. على الرغم من البث المباشر وبأدوات مختلفة لكلمة دولة الرئيس من الجامعة الأردنية، إلا أن حجم التلقي بقي محدود جداً. إذ، وحسب الاستطلاع ذاته، سمع أو اطلع على كلمة دولة الرئيس في الجامعة الأردنية نحو 15 % فقط من الأردنيين. و4 % فقط استمع لها أو قرأها كاملة. وتركت كلمة دولة الرئيس انطباعا إيجابيا عند 55 % من الذين استمعوا لها بشكل كامل، مقارنة مع 32 % تركت لديهم انطباعا سلبيا، و13 % لا رأي.
ويعني هذا أن حالة الانفكاك التي يعيشها المواطن ونمو الفجوة بينه وبين الحكومة تؤدي إلى رفع حجم الرفض، والرفض المسبق والمقرر سلفاً، لما يأتي من الحكومة. وعلى الرغم من ازدياد قنوات التواصل ومضاعفة المواد المنشورة منها لإيصال رسائل الحكومة، إلا أن عدم وصول الرسالة من دولة الرئيس لأكثر من 80 % من المواطنين يؤشر الى ضرورة مراجعة الرسائل وطرق إرسالها، ولكن قبل هذا وذاك، حال المتلقي المقصود بهذه الرسائل. ومن المهم جداً لفهم أدق لهذه المعضلة أن ننظر إلى التفاصيل في ماهية الانطباعات الإيجابية والسلبية التي تركتها كلمة دولة الرئيس بين من شاهدوها كاملة لتمييز الموقف المسبق/الثابت من الموقف المتغير/المتحول. مما يُمكّن الحكومة من تقديم رسائل ذات علاقة بما يدور في البيوت الخاصة أكثر مما يدور في الصالونات العامة. ولا يعني هذا بحال من الأحوال أن الحلول هي إعلامية وسياسية. فهذه هي كمن يُعالج المرض العضال بالمسكنات، أما التدخل الجراحي فهو مشروع إحياء وطني اقتصادي في البنية التحتية والسياحة.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2018.09.27. الرجاء النقر هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.