معالي د. فارس البريزات، 2022.09.06
رغم التقدم الكبير الذي حققه الأردن خلال القرن الأول من عمر الدولة بالانتقال بالمجتمع إلى دولة المؤسسات والقانون، إلا أن مسيرة الانتقال من اللادولة إلى الدولة، ومن العرف إلى القانون، ومن النقل إلى العقل، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج ما تزال بحاجة «للشدشدة».
مع تغيّر نمط الحياة وانتقال النسبة الأكبر من المجتمع من النمط الزراعي الرعوي إلى مجتمع الخدمات والصناعة خلال فترة زمنية قصيرة، أي منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث حصل تغيير في منظومة القيم المصاحبة لهذه التحولات الاقتصادية-الاجتماعية. ومن مؤشرات هذا التغيير سرى في المجتمع نمط «الهوية الفردية» الأقل ارتباطاً «بالهويات الجمعية» وأصبح هذا النمط يزداد عمقاً كلما كان الفرد أصغر عمراً. ويعني هذا؛ في سياق التطور الخطي للمجتمع من خلال التحديث والحداثة، أن الفرد سيصبح أكثر رغبةً وقبولاً بالقانون وسيادته لأن الفرد يسعى للأمان من خلال أطر قانونية تساويه بالآخرين من المواطنين الأفراد.
تشير الدراسات الاستطلاعية خلال العقدين الماضيين إلى وجود أغلبية متنامية من المواطنين تُفضل اللجوء للقضاء المدني في حال التخاصم. وترافق هذا مع نمو القضاء المدني الذي ما يزال يستعين بالنَزُر اليسير من الأعراف الاجتماعية التي تساند القانون المدني دون تقديمها عليه مثل الصلح خارج إطار المحاكم، سواء التحكيم القانوني أو العشائري، الذي يُساعد على تقصير أمد التقاضي في القضاء المدني ويساهم بصون السلم المجتمعي.
برغم كل هذا التقدم الذي تم بناؤه، هناك بعض الهَنّات التي ما زالت تشكل عبئاً على المجتمع والمؤسسات وتخلق انطباعاً مُسيئا على العديد من الصُعد.
أول هذه الهَنَّات هو تَنمُّر بعض الأفراد داخل مجتمعاتهم وأحيائهم على مواطنين آخرين وعلى القانون وعلى أجهزة الدولة. وهذا يتطلب حزماً بسيادة القانون وتنفيذه بغض النظر عن الأسباب التي يسوِّقها هؤلاء المتنمرون لتبرير أفعالهم غير القانونية والتي تنافي مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات.
ثاني هذه الهَنَّات وهو ناتج عن الأول وهو اختطاف النطق باسم المجتمع المحلي من قبل هؤلاء المتنمرين. وهذا يتطلب وضع الأمور بنصابها إذ إن الأغلبية من أفراد المجتمع لا تقبل بالتنمر والتطاول على الآخرين ولا على مؤسسات الدولة.
وثالث هذه الهَنَّات هي شعور بعض هؤلاء المتنمرين بأنهم يستطيعون فرض مطالبهم، والتي غالباً ما تكون غير عادلة وسالبة لحقوق الآخرين وتنافي مبدأ التنافس الحر بين الأفراد تحت ظل القانون، وأنهم سيحققون مبتغاهم. ويتطلب هذا أن لا تخضع الدولة وأي من مؤسساتها للابتزاز تحت أي ذريعة كانت.
ينبغي أن لا تتردد الدولة إطلاقاً، لأن تردد الدولة بضمان سيادة القانون وتنفيذه بحزم وعدل في كل مكان وداخل كل مجتمع محلي يزيد من شعور المواطنين بعدم الإنصاف في المعاملة ويرفع نسبة من يعتقدون بأنه لا يوجد عدالة بين المواطنين. ويؤدي مثل هذا الاعتقاد إلى انسحاب مزيد من المواطنين إلى «قواقع مظلمة» من الإحساس بالاغتراب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ومعيار الحكم على عدم تردد الدولة هو التقدم في وقف التجاوزات، على قلتها، على المستثمرين وابتزازهم في أي مكان في المملكة.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2022.09.06. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.