معالي د. فارس البريزات، 2019.05.06
في مقابلته المتلفزة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قبل عدة أيام، أخذ جاريد كوشنر على الدول العربية أنها “تدعي الدفاع عن الفلسطينيين ولكنها لم تدخلهم أراضيها عندما كانوا لاجئين وطردتهم من أراضيها”. وأضاف أن هذه الدول “لا تقبل الفلسطينيين الذين كذب الكل عليهم ولا يصدقون ولا يثقون بأحد”. وقال إن الهدف من مبادرته هو “حياة أفضل للفلسطينيين وأمن أكثر لإسرائيل”. ماذا يعني هذا الكلام للأردنيين والفلسطينيين؟
ما يقوله كوشنر وفريقه يرسم ملامح الرؤية التي سيعلنونها لحل الصراع “الفلسطيني – الاسرائيلي” وليس العربي- الإسرائيلي. فهم ينطلقون من “الحقيقة” التي ما فتئوا يرددونها لسنتين من العمل على الملف. هذه الحقيقة هي الاعتراف بالحقائق على أرض الواقع والضغط على الفلسطينيين والعرب لتقديم مزيد من التنازلات في الأرض وحق عودة اللاجئين والسيادة والقدس والموارد. أي أن المطلوب شرعنة الحقائق على أرض الواقع إما بالموافقة أو بالإكراه أو كلاهما مع “تمويل القبول بالتنازلات”.
المدخل الذي سيستخدمه كوشنر وفريقه يقوم على فكرة مركزية وهي تحقيق “حياه أفضل” للفلسطينيين. فهو يعتقد أن تحسين الحياة اليومية للفسطينيين كفيل بإقناعهم بالقبول بالحلول المقترحة. هذا الاعتقاد هو أحد الأسباب القبلية لرفض المقترح من قبل الفلسطينيين والعرب. بالنسبة للفلسطينيين “الحياة الأفضل” لا تُجتزأ من حق تقرير المصير الوطني للفلسطينيين، وهو ما لا يدركه، على ما يبدو، الفريق “غير السياسي وغير الدبلوماسي”، كما يصفه كوشنر نفسه، العامل على الملف في البيت الأبيض.
الدفاع عن حق تقرير المصير للفلسطينيين هو دفاع عن الأردن. ويعني بالنسبة للأردن “لاءات الملك الثلاث”، التي تعني عدم التنازل عن حق العودة لكل من كان لعائلته كرت لجوء حتى لو كان مواطنا أردنيا كامل الحقوق والواجبات. لذلك ينبغي العمل على الاعتراف الدولي بجواز السفر الفلسطيني كوثيقة مواطنة فلسطينية لكل الفلسطينيين أينما كانوا، حتى مع وجود مواطنة أخرى لديهم، لتثبيت الهوية السياسية الفلسطينية على أرض فلسطين وفي الشتات. وينبغي تشجيع جميع الفلسطينيين، وخصوصاً من استسلموا لفكرة “الحياة الأفضل” والذين تنازلوا عن الهوية الفلسطينية طوعاً، على تحصيل الهوية الفلسطينية ويجب عدم الرضوخ أو حتى التسامح وقبول سماع مطالب إسرائيل بتجنيس الفلسطينيين في الأردن أو غيرها واعتبار أن الأردن هي فلسطين كما يريد الإسرائيليون ومناصروهم محلياً وإقليمياً وعالمياً. رهان كوشنر الآن وإسرائيل دائماً، على عامل الوقت بنسيان حقوق الفلسطينيين في فلسطين، وعلى الحياة الأفضل والتنازل الطوعي عن الحقوق الوطنية، داخل وخارج فلسطين على حساب حق تقرير المصير الوطني الفلسطيني، يجب ان يَفشل ويُفَشّل.
“كلّا للتوطين” التي أطلقها جلالة الملك تحتاج لإجراءات تنفيذية، ومحاسبة سياسية، ومساءلة قانونية شفافة، وتوعية لكل من يُسهم عن قصد وعن غير قصد بمساعدة إسرائيل على التخلص من الفلسطينيين وإعادة توطينهم بأماكن أخرى لحرمانهم من حقهم في تقرير مصيرهم على أرضهم.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.05.06. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.