معالي د. فارس البريزات، 2018.10.29

أدى ربع قرن من عمر معاهدة السلام الرسمية بين الأردن وإسرائيل وأربعون عاما على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية إلى تطور نظرة إيجابية تجاه البلدين بين الإسرائيليين من شتى المنابت والأصول. إذ قال 61 % من الإسرائيليين الناطقين بالعبرية، والروسية، والعربية أنهم يمتلكون رؤية إيجابية تجاه الأردن مقارنة بنحو 56 % تجاه مصر، حسب دراسة استطلاعية مقارنة تم تنفيذها في الأردن، وفلسطين، وإسرائيل في خريف 2017 من قبل مؤسسة كونراد اديناور الألمانية وبالتعاون مع نماء للاستشارات الاستراتيجية في الأردن.

وتبين من الدراسة أن للأصول والمنابت أثرها على الموقف من الأردن ومصر بين الاسرائيليين. فبينما قال 59 % من الإسرائيليين الناطقين بالعبرية والروسية بأن لديهم موقفا إيجابيا تجاه الأردن (الدولة)، كان لدى 77 % من الناطقين بالعربية ذات الموقف. وبالإضافة لذلك، فإن الإسرائيليين ينظرون للأردنيين بشكل إيجابي، حيث قال 60 % من الإسرائيليين بأن لديهم تصورا إيجابيا نحو الأردنيين. ولكن هنالك اختلاف كبير في هذا التصور حسب المنابت والأصول بين الإسرائيليين الذين يتحدثون العبرية (58 %) والروسية (54 %) والعربية (85 %). أما بالنسبة لتصور الإسرائيليين نحو المصريين، فإن النسبة العامة (56 %) لديهم تصور إيجابي نحو المصريين، وتتوزع إلى 52 % بين الناطقين بالعبرية، و57 % للناطقين بالروسية، و74 % للناطقين بالعربية.
وبالرغم من العديد من الأزمات السياسية العميقة منها والعابرة على مدار السنوات، فإن للإسرائيليين تصورات إيجابية نحو معاهدات السلام، حيث قال 79 % من الإسرائيليين بإن لمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أثرا إيجابيا على الشرق الأوسط، مقارنة بنحو 14 % قالوا بأن لها أثرا سلبيا. ويقيم الرأي العام الإسرائيلي أثر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بشكل مشابه، حيث أشار 81 % إلى أن لها أثرا إيجابيا على الشرق الاوسط، مقارنة بنحو 16 % قالوا أن لها أثرا سلبيا على الشرق الأوسط.
على الرغم من تقييم الرأي العام الاسرائيلي الإيجابي لمعاهدات السلام الإسرائيلية مع الأردن ومصر، إلا أن لدى ثلث الإسرائيليين رؤية سلبية تجاه الأردن. ولدى 40 % منهم نظرة سلبية نحو مصر، وتبدو هذه المواقف تجاه مصر والأردن أكثر حدية بين الاسرائيليين الناطقين بالروسية والعبرية.
وبينت الدراسة كذلك أن نظرة الإسرائيليين السلبية تجاه دول الشرق الأوسط الأخرى هي أعلى من تلك تجاه الأردن ومصر، وكما هو متوقع، فإن لدى 92 % من الإسرائيليين نظرة سلبية تجاه إيران، وتبعتها تركيا 85 %، وفلسطين 76 %، وقطر 67 %، والسعودية 56 %، ثم جامعة الدول العربية بنسبة 72 %. وبالعودة للتصورات تجاه السعودية، فكان لمعظم الإسرائيليين الناطقين بالعبرية (67 %) والروسية (58 %) نظرة سلبية، بينما كان لثلاثة أرباع الناطقين بالعربية نظرة إيجابية تجاه السعودية. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فقد أشار 68 % من الإسرائيليين إلى أنهم يمتلكون نظرة سلبية تجاه الأمم المتحدة، و60 % تجاه روسيا، وكان الرأي العام الإسرائيلي منقسما نحو الاتحاد الأوروبي.
وتشير الأدلة إلى أن الرأي العام الإسرائيلي غير ثابت وقابل للتغيير حول الحرب والسلام. إذ يعتقد ثلاثة أرباع الإسرائيليين أن السلام بين إسرائيل وفلسطين مهم جدا لاستقرار المنطقة، كما يعتقدون بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يمنع من تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع الأردن. ويوافق 70 % من الإسرائيليين على ضرورة ان تعمل الحكومة الإسرائيلية بشكل أكبر على تحسين العلاقات مع الأردن. ولكن هذا الرأي العام لا يُترجم في السياسات العامة الرسمية وذلك لأسباب سياسية عديدة.
وعلى الرغم من اعتقاد 51 % من الإسرائيليين أنه يجب أن تكون هناك دولة فلسطينية، إلا أن ترجمة هذا الاعتقاد على أرض الواقع تبقى متأرجحة بين ضعف الارادة السياسية الرسمية وشح الضغوطات المجتمعية على الحكومة الاسرائيلية. إذ أن 44 % لا يؤيدون فكرة انشاء الدولة الفلسطينية. ويبدو الموقف أكثر جلاءً عند فصل رؤى الناطقين بالعربية عن غيرهم من الإسرائيليين حيث معارضة إنشاء دولة فلسطينية تبدو أعلى بين الناطقين بالعبرية والروسية. كما أن معارضة مبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية في قمة بيروت العام 2002 من قبل 60 % من الاسرائيليين. وبالتالي فإن تغيير هذه المواقف يحتاج قيادة شجاعة ومقدامة  تقنع الرأي العام الإسرائيلي بالسلام، خصوصاً وأن معظم الإسرائيليين يعيشون حالة إنكار تجاه حقوق الفلسطينيين.
وبالرغم من هذه التصورات لدى الإسرائيليين والتي تشكل عائقا نحو بناء السلام، ما يزال هنالك أمثلة تعطي الأمل نحو سلام في المستقبل، واستنادا لنفس الدراسة، نجد أن ثلاثة أرباع الإسرائيليين يتفقون على أن لجلالة الملك عبد الله الثاني دورا محوريا في المنطقة كما أنه يمثل مصدر استقرار. وبالإضافة إلى ذلك فلثلثي العينة نظرة إيجابية تجاه جلالة الملك، ويرى  %70 أن العلاقات الإسرائيلية الأردنية مبنية على أساس المصالح المشتركة. وعليه فإن نظرة الإسرائيليين نحو جلالة الملك هي أكثر إيجابية من أي قائد آخر في المنطقة. ولكن القرار الأردني الأخير المتعلق بإنهاء ملحقي الغمر والباقورة وانهاء تأجيرهما قد يؤدي إلى تغيير في وصف الرأي العام الإسرائيلي للعلاقات مع الأردن على أنها أضعف مما كانت عليه في خريف 2017 عندما أشار 46 % إلى أنها قوية مقارنة ب48 % قالوا أنها ضعيفة. إدارة العلاقات الأردنية الاسرائيلية ليست سهلة وتداخلاتها المحلية والاقليمية والدولية تجعل الاطلالة على حركة ومواقف المجتمع الاسرائيلي بانتظام ضرورة لاتخاذ القرار المناسب للمصالح الأردنية. 

الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة. 

تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2018.10.29. الرجاء النقر هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.