معالي د. فارس البريزات، 2018.12.10
يعتقد بعض رؤساء الحكومات الأردنية وبعض وزرائهم وغيرهم من أصحاب القرار أن النقد البنّاء لسياساتهم المعلنة أو غير المعلنة – ولكنها معروفة للمتابعين – هو انتقاد لهم كأشخاص وهذا فهم قاصر وفي غير محله. وبناء على هذا الفهم القاصر، لا تقتصر ردود فعلهم على خصومة سياسية علنية محترمة ومنتظمة بإطار أخلاقي وقيمي مقبول لدى الأردنيين فيه أخلاق الفروسية والنبل والاحترام للرأي المخالف، وإنما يلجأون لأساليب رعناء وفيها قدر من اللامسؤولية يغتالون من خلالها أناس، فقط لأن لديهم رأيا سياسيا مخالفا أو مقترحا لسياسة بديلة أفضل مما لديهم وتكشف عجزهم وقلة كفاءتهم.
هذه الممارسات لا تعبر عن قيم الأردنيين التي تربوا عليها وإنما تُعبر عن نمط هجين يدافع عن مكاسب شخصية وبرامج لا تخدم الأردن والأردنيين. وعليهم أن ينضجوا ويتوقفوا عن “تحميل الأردنيين جميلة” بأنهم خدموا أو يخدمون في مواقع عامة أو أنهم “ضحايا” العمل العام. كما عليهم أن يتوقفوا عن شخصنة كل انتقاد على أنه استهداف لهم ولعائلاتهم وعشائرهم ومناطقهم. فمن يقبل بالعمل العام سواء كان داخل أو خارج مؤسسات الدولة، عليه أن يقبل المسؤولية المتلازمة مع الخدمة العامة. هكذا تضيع بوصلة النقد البنّاء للسياسات العامة بين منطوق لم يقصد، ومقصود لم ينطق وليعذرنا جبران خليل جبران على التصرف بمقولته الأدبية لغايات سياسية.
ربما على هؤلاء الرؤساء والوزراء والاعيان والنواب والموظفين العموميين أن يتذكروا العودة إلى أبجديات أدبيات الديمقراطية والحقوق السياسية والحريات المدنية للمواطنين ودافعي الضرائب. وليس عليهم أن يذهبوا بعيدا. الأوراق النقاشية لجلالة الملك توصل هذه الأفكار بطريقة يفهمها الكل.
عندما يقول المواطن أن الحكومة أو الرئيس أو الوزير أو الامين العام أو المدير مقصر ولم يقم بواجبه، فعلى الحكومة أن تتصرف لمعالجة الخطأ وليس للبحث عن تبرير للأخطاء وحماية مرتكبيها وإبقاء الأمور على ما هي عليه. وإبقاء الضرر الواقع على المواطنين كما هو والاكتفاء بالطبطبة وأحيانا الكذب وإخفاء الوثائق ومنعها عن المتضررين. واجب الحكومة أن تسهل حياة الناس لا أن تعقدها. وليس المطلوب أن تقوم الحكومة بعمل خارج عن واجبها، فقط تعمل المطلوب منها وبما “يحلل” استنزافها لأموال دافعي الضرائب الذين يتضررون من قرار أو عدم اتخاذ قرار ومن القيام بفعل أو الامتناع عن القيام بفعل يُلحق ضررا بمواطن ومصالحه.
تتطلب أبجديات العمل العام أن يقبل المكلفين بالعمل العام النقد المرتبط بأفكار وبدائل منطقية للسياسات العامة والقرارات التي يصممونها وينفذونها. ليتذكر هؤلاء ان دافعي الضرائب هم من ينفقون عليهم للقيام على شؤون البلاد والعباد وأن لدافعي الضرائب الحق في محاسبة الموظف العام، بغض النظر عن كيف تم تعيينه او انتخابه، من خلال مجلس النواب والقضاء والاعلام.
الأخطر في هذا المجال هو استغلال أصحاب السلطة لمواقعهم، التي لا يستحقونها، للبطش بمن يُعبّر عن رأي مغاير في سياسة عامة أو تقاعس من قبل موظف عام يقتات على أموال دافعي الضرائب ولا ينجز عمله ولا يلتزم بدوامه وفوق كل ذلك يتجبر بدافعي الضرائب بحكم أنه محمي من المساءلة بسبب سلطته وقدرته على تعطيل مصالح دافعي الضرائب.
هذا التسلط من قبل بعض الموظفين سواء كان بقصد أو عن جهل او أن هذا أفضل ما يعرفه يؤدي لتعميق عدم الرضا عن اداء المؤسسات العامة مما يقود لرفد الاحتقان المجتمعي والسياسي ضد مؤسسات الدولة وشخوصها وقد يترجم هذا الاحتقان إلى غضب يُعبر عنه سلمياً وعندما يُصد ولا يجد حلول قد يتحول إلى عنف يرى مرتكبوه أنه مبرر بسبب انسداد قنوات الوصل بين المواطنين ومؤسسات الدولة وقنوات إيصال المظالم وأطر التواصل بين الحكومة المعينة – وليس المنتخبة – والمحكوم مسلوب الارادة.
الموظف العام الذي لا يستجيب لدافع الضرائب مُقصر في أداء عمله ومن واجب الكل قرع الجرس خصوصاً في ظل حالة التردي والخوف التي تجتاح موظفي القطاع العام في المواقع كافة صغيرها وكبيرها خصوصاً غير الكفؤين منهم. جردة الحساب تقول أن التقصير متراكم، وفي ظله ضاعت حقوق كثير من الناس خصوصاً الذين لا يستطيعون الوصول للمعنيين من أصحاب القرار.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2018.12.10. الرجاء النقر هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.