معالي د. فارس البريزات، 2018.12.18
بالرغم من أن أغلبية اللاجئين السوريين في الأردن (66%) ومن المواطنين الاردنيين (87%) يعتقدون بأن على اللاجئين السوريين العودة إلى سورية حسب دراسة استطلاعية نفذتها نماء للاستشارات الاستراتيجية في شهر تشرين الاول 2018 بالشراكة مع مؤسسة كونراد اديناور، إلا أن هنالك العديد من المعيقات التي تجعل من ذلك أمنية أكثر منه حقيقة على أرض الواقع. إذ يحتضن الأردن ما يقارب 1.3 مليون لاجئ سوري، نصفهم تقريبا يحمل صفة اللجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتشير نتائج هذه الدراسة كذلك إلى أن 33% من اللاجئين السوريين أفادوا بأنهم “لن يعودوا إلى سورية ابدا” و24% بأنهم “على الاغلب لن يعودوا”.وبينت هذه الدراسة التي شملت 1,306 أردنيين و600 لاجئ سوري، أن اللاجئين السوريين يرون بأن لدى الأردن عوامل جذب تحفزهم على البقاء، وبالمقابل هنالك عوامل طرد سورية تدفعهم بعيدا عن العودة.واستنادا إلى نتائج الدراسة، افاد 14% فقط بأنهم “مصممون جدا” على العودة، بالإضافة إلى 29% أفادوا بأنهم ” ربما سيعودون”. وعليه، فعلى الأردن والمجتمع الدولي أن يتهيأ لدعم أكثر من 50% من اللاجئين السوريين في الأردن الذين لن يعودوا حسبما أفادوا.ومما يساعد على بقاء اللاجئين في الأردن هي نظرتهم الايجابية نحو الأردن. إذ يشعر 67% من اللاجئين السوريين بالترحيب في الأردن إلى درجة كبيرة، بالإضافة إلى 31% يشعرون بالترحيب إلى درجة متوسطة. كما يشعر 92% منهم بأن العيش كلاجئ في بلد عربي كالأردن يعد ميزة وذلك بسبب تقارب العادات والتقاليد.أما الأسباب الاقتصادية التي تساعد على بقائهم فهي المساعدات التي يحصلون عليها من قبل المنظمات الدولية. إذ أفاد نحو 50% من اللاجئين السوريين بأنهم يحصلون على دخلهم من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمات أخرى. بينما يحصل 27% على دخلهم من عمل قانوني، و16% من عمل غير قانوني.وفي ظل اعتقادهم الراسخ بعدم توافر الأمن في سورية فإن عودتهم تتطلب تغيير الصورة المكرسة لديهم بأن الحرب ما زالت محتدمة، إذ تراجع منسوب العنف في أغلب المناطق ولم يبق إلا جيوب متناثرة وفي طريقها للانتهاء حسبما تشير تقارير المراكز المتخصصة بالنزاعات. إذ تبين عند سؤال اللاجئين عن أسباب عدم قدرتهم على العودة إلى بلادهم، ان 35% منهم يعتقدون بانعدام الامن في سورية، و13% اضافوا انعدام الاستقرار، و7.8% أفادوا بأن الحرب المستمرة، ولذك تصعب عليهم العودة. وعند سؤالهم عن متى سيعودون، أشار 66% بأنهم سيعودون فقط عندما تسترجع سورية الامن والأمان، بينما أضاف 11.4% بأنهم سيعودون عند انتهاء الحرب.وستكون مهمة إقناع اللاجئين بالعودة معقدة في ظل الظروف الحالية، إذ يعتقد 86 % منهم أن الحرب لم تنته بعد. ويحمّل نحو ثلثهم الحكومة السورية مسؤولية ما آلت اليه الأمور في سورية وفي حال اللاجئين، بينما يحمّل نحو ثلثيهم المسؤولية لأطراف أخرى منها الشعب السوري، والدول التي تدخلت بالشأن السوري سواء كانت عربية أو غير عربية. ويمهد هذا الموقف لفرصة مصالحة بين أغلبية اللاجئين والحكومة السورية. إذ أشار 5% فقط بان الحكومة السورية كانت السبب الرئيس في عدم عودتهم إلى سورية. وأضاف 12.3% منهم أنهم يخافون من التجنيد الاجباري.ويتضح جلياً أن الاغلبية من اللاجئين الآن لا تؤيد المعارضة ولا الحكومة. وهذا تطور ملفت مما كانت عليه الحال في بداية اللجوء. إذ أفاد بذلك ثلاثة ارباع اللاجئين السوريين. ولكن مصدر دفعهم للبقاء في الأردن أو البحث عن مكان آخر للاستقرار هو اعتقاد 43% منهم أن البلاد تعم بالدمار الشامل، كما قال 11% أن منازلهم دمرت، وأضاف 7% أن الاوضاع المعيشية في سورية سيئة جدا، وبالتالي يصعب عليهم العودة.تشير هذه الأدلة إلى أن الاولوية يجب أن تُعطى لترسيخ الامن والاستقرار وإعادة الإعمار، في ظل انتصار الحكومة السورية وجيشها على أرض الواقع. الأمر الذي سيعزز من عوامل الجذب السورية لتحفيز اللاجئين على العودة إلى بلادهم من الأردن، ولبنان، وتركيا، وأوروبا. إذ قد تُساعم عودة اللاجئين في الحد من نمو حركات اليمين المتطرف في أوروبا، والحد من النزاعات والتخفيف من احتمالية حدوثها في البلاد التي تعاني من شح الموارد مثل الأردن ولبنان.
الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة.
تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2018.12.18. الرجاء النقر هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.