معالي د. فارس البريزات، 2019.04.29

على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة وأجهزة الدولة الأخرى لبث روح إيجابية أكثر في الفضاء العام، إلا أن أداء الحكومة وثقة المستثمرين في أدنى مستوياتهما. إذ يُظهر استطلاع ثقة المستثمر الأخير الذي نشره منتدى الاستراتيجيات الأردني (JSF) عدداً من الأرقام غير المشجعة والتي تتطلب إدراكا أكثر وسعة صدر وانفتاحا من قبل جميع المؤسسات الخاصة والعامة على حد سواء. ليس سهلاً أن نمُر على رقم مثل أن 65 % من المستثمرين الذين شملهم الاستطلاع – والبالغ عددهم 580 مستثمراً – قالوا إن “البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ”، وكانت هذه النسبة 46 % في ايلول 2017. ويتفق ما يقرب من ثلثي الأردنيين البالغين والمستثمرين على أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وبالعودة إلى الدراسة التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في شهر كانون الثاني واستطلاع نيسان الذي أجرته نماء للاستشارات الاستراتيجية يُصبح هذا الاتجاه السلبي مؤكدا. 
ولا يختلف أداء الحكومة عن هذا الاتجاه السلبي كثيرا. اليوم ، والاستطلاع نفذته نماء على عينة وطنية ممثلة من 3020 مقابلة ممن أعمارهم 18 عامًا وأكثر من المواطنين في نيسان 2019، تبين 30 % فقط من الأردنيين يقيمون أداء الفريق الوزاري بإيجابية. فيما يرى 70 ٪ أن أداء الفريق كان سيئا. وعلى الرغم من أن أداء الرئيس أفضل من فريقه حسب ذات العينة، إلا أنه ما يزال من بين أقل رؤساء الوزراء أداءً منذ العام 1996. إذا قيم 43 % أداءه بشكل إيجابي وفقاً لاستطلاع نماء هذا الشهر وهذا يضع دولة الرئيس الرزاز أعلى فقط من دولة الدكتور الملقي قبل مغادرته بنسبة 40 في المائة وفقًا لاستطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.
بالتوازي مع هذه الأجواء بين المستثمرين والمواطنين، تنمو حملة منظمة وبتنسيق مكثف من قبل الحراك الشعبي لتعبئة الناس على النزول إلى الشوارع في رمضان للاحتجاج وفق عدد من الأفكار المُعدّة مسبقا والمتفق عليها في بيانات الحراك الثلاثة المفصلية في تطور فكر الحراك. يقود هذا الجهد العديد من نشطاء حراك ويدعمهم مجموعات وأفراد جدد ولأسباب قد تبدو متناقضة على العديد من المستويات، لكنهم جميعاً يشتركون في الاستياء والامتعاض من الأوضاع العامة ويضعون نصب أعينهم الدوار الرابع. 
تكرّس كل هذا الامتعاض في بيئة من عدم الرضا عن الاقتصاد من قبل الناس والمستثمرين المحليين، وعن السياسات العامة وعن القيادات الوزارية والسياسية في القطاع العام. لذلك ينبغي أن يتوقع الجميع مستويات متعددة من الاحتجاج الشعبي في ظل إعادة سياسة الاحتجاج للمجال العام في العالم العربي ومستويات أعلى من التأييد للعمل الاحتجاجي الجماعي بين المواطنين. يجب أن تتجنب استراتيجيات الاستجابة والتكيف من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة “حالة الإنكار” ولعله من الرصانة بمكان ان تتم مواجهة مشكلة القيادة العامة على مستوى مجلس الوزراء بشكل عملي ومنطقي وعلمي وعقلاني. 
عندما يقول 2 % فقط من الأردنيين أن السياسات الحكومية “لها تأثير إيجابي جداً على حياتهم” ، و 17 % “لها تأثير إيجابي”، بينما يقول 80 % إن لا تأثير لها، أو لها تأثير سلبي أو سلبي جداً على حياتهم (وفق إستطلاع “نماء” لشهر نيسان 2019)، فإن الوقت قد حان لمراجعة جادة وناضجة للأداء العام وعلى المستويات كافة، لا سيما عندما يقول 77 % من المستثمرين (مسح مؤشر ثقة المستثمر الأردني) أن بيئة الاستثمار في البلاد “غير مشجعة”، حيث ارتفعت من 56 % في آذار2017. اليوم ، تبدو الحكومة مُجزّأة وعلى مفترق طرق، وفقدت ليس فقط اندفاعتها الأولى، بل فقدت كذلك احتضان الأغلبية من الأردنيين لها ولدولة الرئيس تحديداً. وأخيراً، فإن حاصل جمع عدم رضا المستثمرين، وتصميم نشطاء الحراك، ووجود تأييد أعلى مما سبق له، وضعف استجابة الحكومة والمؤسسات الأخرى، يُمكن أن تؤول إلى حركة احتجاجية مُحددة المطالب ومُصرّة. ولكن هذا يعتمد على مدى الاستجابة والقدرة على التحاور والتفاهم على القواسم المشتركة ضمن إطار العقلانية الأردنية المعروفة من الناس ومؤسسات الدولة على حدٍ سواء.

الكاتب هو معالي الدكتور فارس البريزات، رئيس مجلس الإدارة في مركز نماء للاستشارات الاستراتيجيّة. 

تمّ نشر هذه المقالة في جريدة الغدّ بتاريخ 2019.04.29. الرجاء الضغط هنا للاطلاع على المصدر الأصلي.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *